فصل: تفسير الآية رقم (83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (74-75):

{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَثْبِيتَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِصْمَتَهُ لَهُ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الْكُفَّارِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَكَنَ إِلَيْهِمْ لَأَذَاقَهُ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ؛ أَيْ: مِثْلَيْ عَذَابِ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا وَمِثْلَيْ عَذَابِ الْمَمَاتِ فِي الْآخِرَةِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِضِعْفِ عَذَابِ الْمَمَاتِ: الْعَذَابُ الْمُضَاعَفُ فِي الْقَبْرِ. وَالْمُرَادُ بِضِعْفِ الْحَيَاةِ: الْعَذَابُ الْمُضَاعَفُ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ حَيَاةِ الْبَعْثِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْآيَةُ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ شِدَّةِ الْجَزَاءِ لِنَبِيِّهِ- لَوْ خَالَفَ- بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} الْآيَةَ [69/ 44- 46].
وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى كَانَ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أَعْظَمَ- بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الْآيَةَ [33/ 30].، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ:
وَكَبَائِرُ الرَّجُلِ الصَّغِيرِ صَغَائِرُ ** وَصَغَائِرُ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ كَبَائِرُ

تَنْبِيهٌ:
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوْضَحَتْ غَايَةَ الْإِيضَاحِ بَرَاءَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُقَارَبَةِ الرُّكُونِ إِلَى الْكُفَّارِ، فَضْلًا عَنْ نَفْسِ الرُّكُونِ؛ لِأَنَّ: {لَوْلَا} [17/ 74] حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ؛ فَمُقَارَبَةُ الرُّكُونِ مَنَعَتْهَا لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةُ لِوُجُودِ التَّثْبِيتِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ يَقِينًا انْتِفَاءُ مُقَارَبَةِ الرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ نَفْسِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُقَارِبِ الرُّكُونَ إِلَيْهِمُ الْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا} [17/ 74]، أَيْ قَارَبْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ- هُوَ عَيْنُ الْمَمْنُوعِ بِلَوْلَا الِامْتَنَاعِيَّةِ كَمَا تَرَى، وَمَعْنَى تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ: تَمِيلُ إِلَيْهِمْ.

.تفسير الآية رقم (78):

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الْآيَةَ، قَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَشَارَتْ لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [17/ 78] أَيْ لِزَوَالِهَا عَلَى التَّحْقِيقِ، فَيَتَنَاوَلُ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ بِدَلِيلِ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ؛ أَيْ ظَلَامِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، أَيْ صَلَاةَ الصُّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ وَأَشَرْنَا لِلْآيَاتِ الْمُشِيرَةِ لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الْآيَةَ [11/ 114]، وَقَوْلِهِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الْآيَةَ [30/ 17]. وَأَقَمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [4/ 103]، فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ إِنْ شِئْتَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} الْحَقُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الثَّابِتُ الَّذِي لَيْسَ بِزَائِلٍ وَلَا مُضْمَحِلٍّ، وَالْبَاطِلُ: هُوَ الذَّاهِبُ الْمُضْمَحِلُّ. وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ فِيهَا: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْمَعَاصِي الْمُخَالِفَةُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ ثَابِتًا رَاسِخًا، وَأَنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ زَهَقَ؛ أَيْ ذَهَبَ وَاضْمَحَلَّ وَزَالَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: زَهَقَتْ نَفْسُهُ: إِذَا خَرَجَتْ وَزَالَتْ مِنْ جَسَدِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، أَيْ مُضْمَحِلًّا غَيْرَ ثَابِتٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْحَقَّ يُزِيلُ الْبَاطِلَ وَيُذْهِبُهُ؛ كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [34/ 48، 49]، وَقَوْلِهِ: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [17/ 81]، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [34/ 49].
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُكِبَّتْ لِوَجْهِهَا، وَقَالَ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [17/ 81].
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَشَدَّ لَهُمْ إِبْلِيسُ أَقْدَامَهَا بِالرَّصَاصِ؛ فَجَاءَ وَمَعَهُ قَضِيبٌ فَجَعَلَ يَهْوِي إِلَى كُلِّ صَنَمٍ مِنْهَا فَيَخِرُّ لِوَجْهِهِ فَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [17/ 81]،
حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى كَسْرِ نُصُبِ الْمُشْرِكِينَ وَجَمِيعِ الْأَوْثَانِ إِذَا غُلِبَ عَلَيْهِمْ، وَيَدْخُلُ بِالْمَعْنَى كَسْرُ آلَةِ الْبَاطِلِ كُلِّهِ وَمَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ كَالطَّنَابِيرِ وَالْعِيدَانِ وَالْمَزَامِيرِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا اللَّهْوُ بِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِي مَعْنَى الْأَصْنَامِ: الصُّوَرُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْمَدَرِ وَالْخَشَبِ وَشِبْهِهَا، وَكُلُّ مَا يَتَّخِذُهُ النَّاسُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إِلَّا اللَّهْوُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا الْأَصْنَامَ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ إِذَا غُيِّرَتْ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ نِقَرًا أَوْ قِطَعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَالشِّرَاءُ بِهَا. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَمَا كُسِرَ مِنْ آلَاتِ الْبَاطِلِ وَكَانَ فِي حَبْسِهَا بَعْدَ كَسْرِهَا مَنْفَعَةٌ فَصَاحِبُهَا أَوْلَى بِهَا مَكْسُورَةً، إِلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ حَرْقَهَا بِالنَّارِ عَلَى مَعْنَى التَّشْدِيدِ وَالْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَرْقُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيقِ دُورِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاقَةِ الَّتِي لَعَنَتْهَا صَاحِبَتُهَا «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ»، فَأَزَالَ مِلْكَهَا عَنْهَا تَأْدِيبًا لِصَاحِبَتِهَا، وَعُقُوبَةً لَهَا فِيمَا دَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا دَعَتْ بِهِ، وَقَدْ أَرَاقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَبَنًا شِيبَ بِمَاءٍ عَلَى صَاحِبِهِ. اهـ الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ» الْحَدِيثَ، مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَا دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}.
قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ؛ كَقَوْلِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [9/ 124، 125]، وَقَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [41/ 44] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {مَا هُوَ شِفَاءٌ} [17/ 82] يَشْمَلُ كَوْنَهُ شِفَاءً لِلْقَلْبِ مِنْ أَمْرَاضِهِ؛ كَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَوْنَهُ شِفَاءً لِلْأَجْسَامِ إِذَا رُقِيَ عَلَيْهَا بِهِ، كَمَا تَدُلُّ لَهُ قِصَّةُ الَّذِي رَقَى الرَّجُلَ اللَّدِيغَ بِالْفَاتِحَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَنُنْزِلُ بِإِسْكَانِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا}; بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَنَأَى بِجَانِبِهِ، أَيْ تَبَاعَدَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ، وَلَمْ يَجْتَنِبْ نَهْيَهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، مُسْتَبِدٌّ بِنَفْسِهِ: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [17/ 83] تَأْكِيدٌ لِلْإِعْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الشَّيْءِ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُرْضَ وَجْهِهِ. وَالنَّأْيُ بِالْجَانِبِ: أَنْ يَلْوِيَ عَنْهُ عِطْفَهُ، وَيُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ، وَأَرَادَ الِاسْتِكْبَارَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ. وَالْيَئُوسُ: شَدِيدُ الْيَأْسِ، أَيِ الْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
وَقَدْ أَوْضَحَ جَلَّ وَعَلَا هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [11/ 9- 10] وَقَوْلِهِ فِي آخَرَ فُصِّلَتْ: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [41/ 49- 51]، وَقَوْلِهِ: فِي سُورَةِ الرُّومِ: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [30/ 33]، وَقَوْلِهِ فِيهَا أَيْضًا: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [30/ 36]، وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} الْآيَةَ [10/ 12]، وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} الْآيَةَ [10/ 12]، وَقَوْلِهِ فِيهَا أَيْضًا: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [39/ 49]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَدِ اسْتَثْنَى اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [11/ 11] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ: {وَنَاءَ} كَجَاءَ، وَهُوَ بِمَعْنَى نَأَى؛ كَقَوْلِهِمْ: رَاءَ، فِي: رَأَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ مَا أَعْطَى خَلْقَهُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ جَلَّ وَعَلَا؛ لِأَنَّ مَا أُعْطِيَهُ الْخَلْقُ مِنَ الْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْخَالِقِ قَلِيلٌ جِدًّا.
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [18/ 109]، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [31/ 27].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِيرٌ.
وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [4/ 113]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [48/ 1- 3]، وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [94/ 1- 4]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَبَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ فَضْلَهُ كَبِيرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [33/ 47]، وَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْفَضْلِ الْكَبِيرِ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [42/ 22].

.تفسير الآيات (90-93):

{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ شِدَّةَ عِنَادِ الْكُفَّارِ وَتَعَنُّتِهِمْ، وَكَثْرَةَ اقْتِرَاحَاتِهِمْ لِأَجْلِ التَّعَنُّتِ لَا لِطَلَبِ الْحَقِّ؛ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا لَهُ- أَيْ: لَنْ يُصَدِّقُوهُ- حَتَّى يَفْجُرَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، وَهُوَ يَفْعُولٌ مِنْ: نَبَعَ، أَيْ: مَاءٌ غَزِيرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [39/ 21]، {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} [17/ 91] أَيْ بُسْتَانٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ، فَيُفَجِّرَ خِلَالَهَا- أَيْ وَسَطَهَا- أَنْهَارًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يُسْقِطَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ كِسَفًا: أَيْ قِطَعًا كَمَا زَعَمَ، أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} الْآيَةَ [34/ 9]، أَوْ يَأْتِيَهِمْ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا: أَيْ مُعَايَنَةً. قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ كَقَوْلِهِ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} [25/ 21].
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَبِيلًا: أَيْ كَفِيلًا؛ مِنْ تَقَبَّلَهُ بِكَذَا: إِذَا كَفَلَهُ بِهِ. وَالْقَبِيلُ وَالْكَفِيلُ وَالزَّعِيمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَبِيلًا بِمَا تَقُولُ: شَاهِدًا بِصِحَّتِهِ، وَكَوْنُ الْقَبِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَبِيلًا شَهِيدًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ جَمْعُ قَبِيلَةٍ؛ أَيْ تَأْتِي بِأَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ حَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. أَوْ يَكُونَ لَهُ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ: أَيْ مِنْ ذَهَبٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الزُّخْرُفِ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ- إِلَى قَوْلِهِ- وَزُخْرُفًا} [43/ 33- 35]، أَيْ ذَهَبًا. أَوْ يَرْقَى فِي السَّمَاءِ: أَيْ يَصْعَدَ فِيهِ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا لِرُقِيِّهِ، أَيْ مِنْ أَجْلِ صُعُودِهِ، حَتَّى يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا يَقْرَءُونَهُ. وَهَذَا التَّعَنُّتُ وَالْعِنَادُ الْعَظِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا عَنِ الْكُفَّارِ هُنَا بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلَ اللَّهُ مَا اقْتَرَحُوا مَا آمَنُوا. لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ لَا يُؤْمِنُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [6/ 7]، وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [6/ 111]، وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [15/ 14- 15]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} [6/ 109]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [10/ 96- 97]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كِتَابًا نَقْرَؤُهُ، أَيْ كِتَابًا مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا.
وَيُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُدَّثِّرِ: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً [الآية 52] كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} الْآيَةَ [6/ 124]. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [17/ 93]، أَيْ تَنْزِيهًا لِرَبِّي جَلَّ وَعَلَا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَنْزِيهُهُ عَنِ الْعَجْزِ عَنْ فِعْلِ مَا اقْتَرَحْتُمْ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَأَنَا بَشَرٌ أَتَّبِعُ مَا يُوحِيهِ إِلَيَّ رَبِّي.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [18/ 110]، وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} الْآيَةَ [41/ 6]؛ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ جَمِيعِ الرُّسُلِ: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [14/ 11] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَرَأَ تَفْجُرَ، الْأُولَى عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَكْسُورَةً، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى هَذَا فِي الثَّانِيَةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ كِسَفًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِإِسْكَانِهَا، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: تُنْزِلَ بِإِسْكَانِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وَشَدِّ الزَّايِ.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا}.
هَذَا الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ هُنَا عَادِيٌّ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ جَمِيعِ الْأُمَمِ بِاسْتِغْرَابِهِمْ بَعْثَ اللَّهِ رُسُلًا مِنَ الْبَشَرِ؛ كَقَوْلِهِ: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} الْآيَةَ [14/ 10]، وَقَوْلِهِ: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} الْآيَةَ [23/ 47]، وَقَوْلِهِ: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [54/ 24]، وَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} الْآيَةَ [64/ 6]، وَقَوْلِهِ: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [23/ 34] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَادِيٌّ: أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ بِمَانِعٍ آخَرَ غَيْرِ هَذَا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [18/ 55]، فَهَذَا الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ فِي الْكَهْفِ مَانِعٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهَ بِهِ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْإِهْلَاكِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعَذَابُ قُبُلًا فَإِرَادَتُهُ بِهِ ذَلِكَ مَانِعَةٌ مِنْ خِلَافِ الْمُرَادِ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَقَعَ خِلَافُ مُرَادِهِ جَلَّ وَعَلَا، بِخِلَافِ الْمَانِعِ فِي آيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَذِهِ، فَهُوَ مَانِعٌ عَادِيٌّ يَصِحُّ تَخَلُّفُهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِنَا دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الرَّسُولَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، فَلَوْ كَانَ مُرْسِلًا رَسُولًا إِلَى الْمَلَائِكَةِ لَنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مَلَكًا مِثْلَهُمْ، أَيْ وَإِذَا أَرْسَلَ إِلَى الْبَشَرِ أَرْسَلَ لَهُمْ بَشَرًا مِثْلَهُمْ.
وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [6/ 8- 9]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [21/ 7]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [25/ 20] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مَعَ عِظَمِهِمَا قَادِرٌ عَلَى بَعْثِ الْإِنْسَانِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ مَنْ خَلَقَ الْأَعْظَمَ الْأَكْبَرَ فَهُوَ عَلَى خَلْقِ الْأَصْغَرِ قَادِرٌ بِلَا شَكٍّ.
وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الْآيَةَ [40/ 57]، أَيْ وَمَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ الْأَكْبَرِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْأَصْغَرِ، وَقَوْلِهِ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} [36/ 81]، وَقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى} [46/ 33]، وَقَوْلِهِ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [79/ 27- 33].

.تفسير الآية رقم (100):

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}.
بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ بَنِي آدَمَ لَوْ كَانُوا يَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَتِهِ- أَيْ خَزَائِنَ الْأَرْزَاقِ وَالنِّعَمِ- لَبَخِلُوا بِالرِّزْقِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَأَمْسَكُوا عَنِ الْإِعْطَاءِ، خَوْفًا مِنَ الْإِنْفَاقِ لِشِدَّةِ بُخْلِهِمْ.
وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَتُورٌ، أَيْ بَخِيلٌ مُضَيِّقٌ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَتَّرَ عَلَى عِيَالِهِ، أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [4/ 53]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} الْآيَةَ [70/ 19- 22]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ لَوْ لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْأَفْعَالِ، فَيُقَدَّرُ لَهَا فِي الْآيَةِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ بَعْدَ لَوْ أَصْلُهُ فَاعِلُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ فُصِلَ الضَّمِيرُ. وَالْأَصْلُ قُلْ لَوْ تَمْلِكُونَ، فَحُذِفَ الْفِعْلُ فَبَقِيَتِ الْوَاوُ فَجُعِلَتْ ضَمِيرًا مُنْفَصِلًا، هُوَ: أَنْتُمْ. هَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} الْآيَةَ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذِهِ الْآيَاتُ التِّسْعُ، هِيَ: الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسُّنُونَ، وَالْبَحْرُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ.
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [7/ 107- 108]، وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الْآيَةَ [7/ 130]، وَقَوْلِهِ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [26/ 63] وَقَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} [7/ 133] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْجَبَلَ بَدَلَ: {السِّنِينَ} وَعَلَيْهِ فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [7/ 117]، وَنَحْوُهَا مِنَ الْآيَاتِ.

.تفسير الآية رقم (102):

{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} الْآيَةَ، بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ عَالِمٌ بِأَنَّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ مَا أَنْزَلَهَا إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ، أَيْ حُجَجًا وَاضِحَةً، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ فِرْعَوْنَ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [20/ 49]، وَقَوْلَهُ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [26/ 23] كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ تَجَاهُلُ عَارِفٍ.
وَقَدْ أَوْضَحَ جَلَّ وَعَلَا هَذَا الْمَعْنَى مُبَيِّنًا سَبَبَ جُحُودِهِ لِمَا عَلِمَهُ فِي سُورَةِ النَّمْلِ بِقَوْلِهِ: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} الْآيَةَ [27/ 12- 14].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ بِالْحَقِّ: أَيْ مُتَلَبِّسًا بِهِ مُتَضَمِّنًا لَهُ؛ فَكُلُّ مَا فِيهِ حَقٌّ فَأَخْبَارُهُ صِدْقٌ، وَأَحْكَامُهُ عَدْلٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [6/ 115] وَكَيْفَ لَا وَقَدْ أَنْزَلَهُ جَلَّ وَعَلَا بِعِلْمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} الْآيَةَ [4/ 166]. وَقَوْلُهُ: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [17/ 105] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ فِي طَرِيقِ إِنْزَالِهِ.
لِأَنَّ الرَّسُولَ الْمُؤْتَمَنَ عَلَى إِنْزَالِهِ قَوِيٌّ لَا يُغْلَبُ عَلَيْهِ حَتَّى يُغَيَّرَ فِيهِ، أَمِينٌ لَا يُغَيِّرُ وَلَا يُبَدِّلُ، كَمَا أَشَارَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} الْآيَةَ [26/ 193، 194]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} الْآيَةَ [81/ 19- 21]، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَقَوْلُ رَسُولٍ، أَيْ لَتَبْلِيغُهُ عَنْ رَبِّهِ، بِدَلَالَةِ لَفْظِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (106):

{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: {فَرَقْنَاهُ} بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ، وَفَصَّلْنَاهُ وَفَرَّقْنَا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَقَرَأَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَرَّقْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مُفَرَّقًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَمِنْ إِطْلَاقِ فَرَقَ بِمَعْنَى بَيَّنَ وَفَصَّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الْآيَةَ [44/ 4]
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ بَيَّنَ هَذَا الْقُرْآنَ لِنَبِيِّهِ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ، أَيْ مَهَلٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَثَبُّتٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ إِلَّا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [73/ 4]، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [25/ 32]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا} [17/ 106] مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنْ يَدْعُوهُ بِمَا شَاءُوا مِنْ أَسْمَائِهِ، إِنْ شَاءُوا قَالُوا: يَا أَللَّهُ، وَإِنْ شَاءُوا قَالُوا: يَا رَحْمَنُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [7/ 180]، وَقَوْلِهِ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [59/ 22، 23].
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّهُمْ تَجَاهَلُوا اسْمَ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الْآيَةَ [25/ 60]، وَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْضَ أَفْعَالِ الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [55/ 1- 4]، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الْآيَةَ [25/ 60]، وَسَيَأْتِي لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ.